top of page

عبءُ الأسامي، والصفات

  • راضية
  • 27 déc. 2017
  • 3 min de lecture

أعيش في بلد أروبي منذ سنتين، حين يسألني صديق أجنبي عن جنسيتي، أجيبه جزائرية، بالنسبة له، جزائرية تعني عربية ومسلمة، لكنني لست كذلك، أنا في الحقيقة أمازيغية، ولا أدين بأي ديانة، وهذا غير مهم، غير مهم بالنسبة لي ولا بالنسبة له، ولا يمكنني أن أشرح هذا الأمر لكل شخص يسألني عن اسمي أو جنسيتي هنا، اسمي الذي يجب أن أنطقه بهذه الطريقة ليفهمه 'غاديا' بدل 'راضية'، الأمر لا يتوقف عند القومية والديانة التي اختارها لي بسبب اسمي بل يتجاوزه، فيصدر أحكاما مسبقة عن كل ما يُسمح لي بأكله إذا جلست معه في مطعم، وما يجب أن أشربه، بالتأكيد الأمر لا يتجاوز مجرد الاستغراب لكن يبقى الأمر مزعجًا بالنسبة لي.

أحيانا وإن كان الأمر نادرَ الحدوث لكن لا يجب أن أنكره، يصدر الآخر حكمه عليكَ بسبب شخص آخر عرفه من نفس الجنسية، المؤسف أنني في بلد فيه نسبة معتبرة من الجزائريين المقيمين بطرق غير شرعية، وهنا يحضرني مقطع من رواية بليغ لطلال فيصل حيث يقول "...تلكَ الرغبة الدائمة في طمس حقيقة أنني قادم من تلكَ المنطقة البائسة التي تصدر البائسين والمجرمين والمتطرفين ! في كل موقف يومي أريد أن أؤكد على الحقيقة، أنا طبيب، أنا لستُ من أولئك الذين تمتعضون بسبب وجودهم في بلادكم. أنا طبيب وأقوم بتحضير الدكتوراه. صحيح أنني أتكلمُ الفرنسية بلكنة واضحة، لكن هذا سيتحسن، كما أني اتكلمُ بشكل صحيح ولا أخطئ في النحو. أتيتُ لأتعلم ولم آتي هنا لمطاردة البنات أو لنشر دين الإسلام ..."

الأمر في الحقيقة لم يبدأ حين انتقلت للعيش هنا، فمنذ كنت في قريتي الصغيرة، ثم في المدينة، وفي كل الأماكن التي تنقلت لها، كان يمكن للشخص أن يعرِّفك حسب مقاسات معينة، فلقبكَ يحدد قبيلتك، وقبيلتكَ تحدد صفاتكَ الأساسية، فإن كنتَ من العرش الفلاني فأنت بخيل، وإن كنت من عرش آخر فأنتَ متكبر، وهكذا. أنا عرفتُ جيدا جناية أن تنتمي لاسم ما، لجنس ما، لجنسية أو لعرق ما، أعرف جيدا ماذا يعني أن تحمل صفات القبيلة مرغما. أن تحملها في عيون الآخرين ونظراتهم لك وإن لم تمتلكها حقيقة...

أنتِ أنثى، ذلكَ أيضا يستلزم عدة أمور، منها، أن تجلسي بطريقة معينة، أن تتحدثي بنبرة محددة، أن لا تقومي بحركات وتصرفات قد لا تكونين أنتِ من قررها. وطبعا أن تكون رجلا ليس أقل سوءً من أن تكون أنثى في مجتمع أيضا سيضع لكَ مقاسا محددا لما يجب أن تشعر به، حتى حين الألم، ثمة من سيعتبر أنه من المعيب أن تبكي.

وعودة لمشكلة الإسم، التي هي عائق حقيقي بالنسبة لي، فأن أكتبَ باسمي وصورتي سيشكلُ أيضا نظرة معينة لأفراد عائلتي، لكل من يحمل لقبي، أود لو أجيب كل شخص يسأل عن إسم عائلتي، بدل أن يسألني عن أسماء الأماكن التي زرتها، وأسماء المحطات التي مررت بها في حياتي، عن النصوص التي قرأتها وشكلت جزءً مني، والتجارب التي خضتها وخرجت منها منتصرة أو منهزمة، والجروح التي سلخت روحي منذ ولدت، ليعرفني حقا بدل أن يبني أحكاما عني بسبب أحدهم، أو عن غيري بسببي:

لا أريد أن أكون اسما، أنا علامة استفهام تائهة أنا حرف هارب من أبجدية غريبة أنا كل دمعة تسقي العين، ولا يدري أحد من أين تأتي

أنا المواعيد التي تبرمونها وتلغونها في آخر لحظة

أنا القسم العظيم الذي تتراجعون عنه أنا عذر العهود المنقوضة وعذر الغائبين وجرح العاشقين أنا ما تكرهون وتخبئونه رغما عنكم أنا الدقائق الأخيرة من امتحان الحسم أنا نظرة العيين التي تفضحكم حين تخافون وحمرة الخدين حين تخجلون ورجفة اليدين حين تعشقون أنا اللحظة بين الاعتراف والانسحاب أنا سبب الحزن الذي لا تعترفون به أنا بلا اسم... أنا لا أحد... أنا لا شيء.

الصورة مأخوذة من موقع wix.com

يقول منصور الرحباني في أحد قصائده:

اسماؤنا أكبر منا كانت، كانت قبل أن كنا أحبّكِ من دون إسمٍ أحبكَ من دون مجدٍ ...

وأخيرا كتبت مرة ميسون سويدان في صفحتها على الفايسبوك:

ليت لي في الكون قلبًا واحدًا يسألُ عنّي .. لي أنا وحدي .. لذاتي .. لا لأَنِّي .. أو لأَنِّي .. ليتٓني من غير اسمٍ .. ليتٓني من غير جسمٍ .. ليتٓني لا شيء

 
 
 

Comments


للمتابعة على مواقع التواصل الإجتماعي
  • Facebook - Black Circle
  • Instagram B&W
  • Facebook Social Icon
  • SoundCloud Social Icon
  • Instagram Social Icon
bottom of page