top of page

وقائع دورة الحياة

  • راضية
  • 30 avr. 2018
  • 2 min de lecture

اقتنيت ثلاث علب من الفوط الصحية، وضعتها الصيدلانية في كيس ورقي، دفعت ثمنهم وخرجت، ستكون كافية لأسبوع، حملت هاتفي ونظرت للتطبيق، ثم أكملت العد في رأسي 29، 30، 31، 32.. أف، يبدو أنها تأخرت، ستشتد الآلام أكثر، في الحافلة بدأت أطلق اللعنات على نفسي، فتحت المحفظة، لقد نسيت اقتناء التحميلات المضادة للألم، سأستعين بالأعشاب الطبيعية لن يكون الأمر أسوأ من الأشهر السابقة. أصل للبيت، أحضر جوربا من الدرج املأه بالأرز وأسخنه في الميكرويف، ثم ألقي بنفسي على السرير، في وضعية الجنين، ركبتاي تقاربان الوصول إلى ذقني، أضع الجورب عند بطني، تبدأ حرارة جسدي بالارتفاع، تهدأ التشنجات قليلا ثم تعاود: أسفل ظهري، رأسي، ركبتاي، قدماي حتى أصابعي، كل عضو في جسدي بحاجة أن يصرخ، أشد بيدي على غطاء الفرو لكنه ينفلت مني، أتنفس بعمق، وأحمل هاتفي لأتصفح مواقع التواصل الاجتماعى ربما أقدر بهذا أن أتجاهل الألم.

أسحب أصبعي على الشاشة صعودا ونزولا، حروف في كل مكان لكن لا وجود لكلمات، أشغل أغنية فأسمع أصواتا دون نوتات، تراودني رغبة جامحة أن أخرج مني، أن لا يبقى فيّ جزء واحد مني، وأهرب، أهرب بعيدا. تراودني فكرة الحمل والأمومة، تعيدني ذاكرتي لطفولتي، لكل البكاء الذي بكيته وقلت أنه دون سبب، أتذكر اللعبة العلاجية التي اقترحتها الطبيبة النفسية؛ أغمض عيناي وأتخيل نفسي في عمر العاشرة خائفة، قلقة، أبكي، وأفكر ماذا يجب أن أقول أنا الراشدة لأنا الطفلة، أنزل على ركبتاي أقترب من أنا الطفلة التي تبكي وهي تهز أقدامها دون توقف وتمسح عيناها المسودتين، أفكر أنا الراشدة في كل الكلمات التي يجب أن أقولها: أحبك، لا تحزني، لا تقلقي، لا تخافي، لن يكون هذا أسوأ ما سيحصل. لكنني لا أقول شيئا أقترب منها أكثر، أحتضنها وأنفجر معها بالبكاء. أخرج من لعبة العلاج النفسي وأعود لتصفح بعض المنشورات حول بكاء الأطفال التافه، بكائهم دون سبب، وحول العقوبات اللازمة لكل طفل مزعج، أعصر الجورب الذي بدأ يفقد دفئه بشد قدماي نحو بطني أكثر، وأفكر بطائر الوقواق الذي يترك بيضه في عش طائر آخر وحين تفقس البيضة يعتني به الطائر صاحب العش دون علم منه ربما أنه ليس فرخه، أتخيل أنني ذلك الطائر الذي يجب عليه أن يفتح قلبه عشا لكل أطفال الوقواق، وأرى الأمهات، أغلبهن، طائرات وقواق يبيضون دون توقف لكن لا يتحملون المسؤلية للنهاية. أجرب أن أجعل عشي مليئا بالحب والحنان والرحمة والدفء لكنني أدرك أنني سأنهزم وأن كل الأطفال في النهاية ستتغلب جيناتهم عليهم وسيصبحون طيور وقواق أخرى تتخلى عن بيضها.

أتساءل أيهم أكثر حظا: طفل وقع فأوقفته أمه، أو طفل وقع فعلّمته أمه كيف يقف، وشجعته على تجربة النهوض في كل مرة كان يقع فيها، أو طفل لم يقع. طفل بكى فوجد حضنا ينتشله أو طفل لم يبكه شيء أصلا. طفل ذاق مرارة التجربة وأصبح بالغا يعاني نفسيا ويحاول التعافي من ذاته، تلتئم جروحه وتبقى الندوب، أو طفل لم يكبر ولم يحاول وظل يقع ويبكي.

أتساءل أيهما أكثر حظا: الطفل الذي لم يتعرض لمعاملة سيئة وكبر في أسرة صحية، ومجتمع سليم أو الطفل الذي لم يأتي للوجود أصلا؟

تشتد التشنجات أسفل بطني، أشعر بسائل دافئ يبلل ثوبي، أحمل جسدي الهش إلى المرحاض، يبدو أن بيضة أخرى لطائرٍ، يحاول أن لا يشابه الوقواق، قد اختارات طريقها بنفسها نحو مكان أقل قبحا من هذا العالم، أطلق اللعنات، كل اللعنات التي تعلمتها، أتذكر أم المسيح، أمي، وكل أمهات الكون، وأئن.. ليتني مت قبل هذا أو كنت نسيا منسيا.

 
 
 

Comments


للمتابعة على مواقع التواصل الإجتماعي
  • Facebook - Black Circle
  • Instagram B&W
  • Facebook Social Icon
  • SoundCloud Social Icon
  • Instagram Social Icon
bottom of page