top of page

ما يضيع مني

  • راضية
  • 30 janv. 2018
  • 3 min de lecture

حين نجوع، يجب أن نحضر شيئا لنأكله، وحين نرغب في التواصل يجب أن نتحدث، الأمر بسيط، لكنه ليس بهذه السهولة بالنسبة لي. يجب أن أرتدي جواربي حين أنام لئلا أشعر بالبرد، لكن أحيانا أضيعهم، فلا أنام، يجب أن أجدهم أولا. في الحقيقة يجب أن أجد كل أشيائي، لا أقبل أن يكون لي غرض ما ضائع، أقوم بعدّ كتبي، أتأكد أنها جميعا في مكانها، أعدّ ملابسي الداخلية أيضا، كأي أنثى تملك العديد من حمالات الصدر لكنها تظل ترتدي واحدة فقط، بشكل دائم. بالأمس ضاع المقص، لم أكن أحتاج إلى استخدامه، لكنني صدفة اكتشفت أنه ليس في مكانه، انزعجت كثيرا، كنت مستعدة أن أقلب الغرفة رأسا على عقب لأجده، أين اختفى، شخص واحد يفهمني صار يتحمل حالتي هذه، أحيانا يفتش معي على أغراضي التافهة الضائعة، المقص لم يكن بمكانه، وجدته بالمطبخ وحينها فقط شعرت بالراحة، أعدته إلى مكانه وابتسمت، لم أكن بحاجة له، كنت بحاجة أن يكون في مكانه فقط. لست مهووسة بالتنظيم، لكنني أحب أن أكون على علم تام بمكان كل غرض. شقيقتي تسخر مني، تقول لي مثلا: أين ربطة شعرك البنفسجية؟ فأقفز من سريري لأبحث عنها، أجيبها: وجدتها، ليست ضائعة لن أقلق، تعلم أن الأمر يزعجني فتستمر في ذكر أسماء الأشياء لتجعلني أبحث عنها وأتأكد أن كل شيء موجود، وتضحك، تعتقد ربما أنني سأملّ، أو أنها طريقة جيدة للعلاج، لكن الأمر متعب، متعب في الحقيقة جدا. 

صورة من الموقع

كل أشيائي حاضرة، في مكانها، الأماكن التي أعرفها جيدا؛ كتبي على الرفوف، ربطات شعري في الحقيبة البنفسجية، طلاءات الأظافر الكثيرة في القفة الزهرية الصغيرة، أما القفة الكبيرة فهي لباقي الاكسسوارات والأشياء التي لا أعرف تحديدا أين تصنف، ولا أعرف متى قد أحتاجها، أحيانا لا أعرف حتى استخداماتها، لكنني أحتفظ بها، للضرورة، لضرورة ما. الأدوات التي أستخدمها دائما في الدرج العلوي؛ آلة التصوير، الغراء، جواز السفر، والشاحن، الدرج الثاني للأدوية، دواء الدورة الشهرية في المقدمة، ثم أدوية الرأس والحساسية، والقولون العصبي، والمعدة، وأخرى لا أذكر ماذا تعالج. أما الدرج الأخير السفلي، يحوي الفوط الصحية، أكياسَ فارغة، وثائق الإقامة، كراتين الهاتفين القديم والجديد، وورق تغليف هدايا مستخدم،  لعلبة الشوكولاتة التي أحضرها صديقاي في حفل رأس السنة. أشياء ثمينة حقا لا يجب أن تضيع. لكن أنا لا بأس، لا بأس أن أضيع، يمكنني أن أفتش عن كل شيء لكن لا أقوى على أن أفتش عني، أن أجمع بقايا هذا الخراب مني. لا أريد أن يبدو الأمر دراميا للغاية، لكن هل من الطبيعي أن لا أكون صداقة واحدة في مدينة أقيم فيها منذ 18 شهرا! 

أين أنا في الحقيقة، علي أن أبحث وحين أجد هذه الأنا أكون قد أكملت مجموعتي الكاملة للأشياء غير الضائعة. 

كنت أود الحديث عن عدم القدرة على التواصل، لذلك تحدثت عن مشكلة الضياع، فأكثر شيء يضيع مني هي كلماتي، حين أحاول الحديث، انشاء علاقة، قول شيء جميل لشخص جديد، أشعر كأنني أقلب نفسي رأسا على عقب لأبحث عن كلمة، تماما مثلما أفعل مع فراشي قبل النوم أقلبه لأبحث عن الجورب الذي خلعته في الصباح واختفى، لأن جوارب النوم ليست هي نفسها جوارب الخروج من المنزل، كل شيء في مكانه، لا يجب أن نخلط الأمور. كذلك كلمات الأصدقاء لا يجب أن تكون هي نفسها الكلمات مع الغرباء، يجب أن أفتش مليا، علني أجد العبارة المناسبة في هذا الموقف المحرج، لكن لا شيء... 

الكلمات كعصافير، قد تتركك تقترب منها لكنها تطير بعيدا حين تحاول امساكها، ما أتحدث به مع الأصدقاء المقربين جدا، هي تلك الكلمات التي نجحت في اصطيادها في وقت مضى، ثم أخفيتها في أقفاص، لكن لا يمكنني أن أستعيرها مع الغرباء. أنا مع الغرباء شخص آخر تماما، فجوارب النوم إما بيضاء أو زهرية، أما جوارب الخروج من المنزل عادة كحلية. أتمنى أن لا يكون مقرفا للبعض الحديث عن الجوارب، حاولت الحديث عن العصافير، الكثير من الناس يحبون العصافير، لكن لا أتوقع أنهم يستمتعون بتشبيهاتي التي ابتكرها. ​

أضيع مني، وتضيع الكلمات حتى مع الأشخاص المقربين جدا، في حالات الحزن الشديد، حين أشعر بالأذى، لا أستطيع شرح الأمر، لا أستطيع أن أقول مباشرة في وجه الشخص: هذا أمر مؤذي، أو هذه الطريقة مؤذية، أو إنني حزينة.  لا أعرف كيف أعبر أحيانا أبكي، أحيانا أفعل ما هو أسوأ من ذلك، أصمت. 

طبعا لا أقصد أنني شخص لا يغضب، أو لا يتقن الدفاع عن نفسه بالصراخ، بالعكس، أصرخ كثيرا، وأخرب الدنيا، لكن هذا حين الغضب... أما الحزن يحتاج لكلمات أخرى، لقاموس آخر، للغة أخرى، إنه جورب آخر ضائع، مختفي، يبدو أنني لم أمتلكه يوما، أو أخاف البحث عنه. 

لم أعرف يوما كيف أعبر شفهيا عن الأشياء التي تحزنني، ولا شرحها ولا وصفها، هي هكذا فقط، تجعلني أشعر بالسوء، أبكي،  أختنق، ثم أصمت، حين لا أجد عصافيرَ كلماتِ الحزن لأصطادها أصمت، وهذا أسوء ما أصل إليه، هي عادة قديمة. 

يسألني الشخص الذي يبدو أنه أحزنني: ما بك، أخبريني، ماذا فعلت؟ أجيبه بالصمت، إنه جواب أحمق، ولا يوجد أمر اسمه لغة الصمت، سوى لدى الحمقى، أنا أعرف الصمت جيدا وأعرف أنه ليس لغة بل بكمًا ببساطة. أحاول أن أجيب أعرف أن ثمة إجابة ما لما أزعجني أو لما أحزنني، موجودة في مكان ما، لكنني لا أستطيع القبض عليها، لا أستطيع إيجادها، ولا ترجمتها من شعور إلى كلمات. لذلك أفضل كثيرا أن أستمر في إلهاء نفسي بالبحث عن تلك الأغراض السخيفة التي لا يجب أن تضيع. 

 
 
 

Comments


للمتابعة على مواقع التواصل الإجتماعي
  • Facebook - Black Circle
  • Instagram B&W
  • Facebook Social Icon
  • SoundCloud Social Icon
  • Instagram Social Icon
bottom of page